close
Login Form
Lawyer/Affiliate Sign Up
head

Article Content:

حق الانسان في حماية كيانه المعنوي

بحث قانوني نظري - الموضوع:
حق الانسان في حماية كيانه المعنوي
Le droit à l’intégrité morale de la personne humaine

يتمتع الانسان بحقوق يكتسبها حكما ً بمجرد وجوده، فهي مرتبطة ارتباطا ً وثيقا ً بعناصر شخصيته القانونية وتعد جزءا ً لا يتجزأ منها. هذه الحقوق تسمى ب "الحقوق الشخصية" وهي تهدف الى حماية الانسان بكليته لذلك فهي تقع خارج نطاق الذمة المالية مما يستتبع عدم قابليتها للتداول وللتقادم. هذه الحقوق لصيقة بشخصية الانسان ويتصل كل منها بجانب من جوانبها: فمنها ما يهدف الى حماية الكيان المادي للانسان، كحقه في الحياة وحقه بعدم الاعتداء على جسده، ومنها ما يهدف الى حماية كيانه المعنوي. ان هذه الدراسة سوف تتمحور حول الفئة الأخيرة من هذه الحقوق أي تلك التي موضوعها حماية الكيان المعنوي للشخص.

ان حماية الانسان في كيانه المعنوي هي من الحقوق الأساسية التي بدونها لا يكون الانسان آمنا ً وحرا ً في حياته، وهي تتناول بشكل رئيسي احترام كرامته والمحافظة على حياته الخاصة. فالكرامة الانسانية هي جوهر الكيان المعنوي لكل انسان لأنها تبدأ حتى قبل ولادته ولا تنتهي بوفاته، لذلك فقد نصت على ضرورة حمايتها ليس فقط الشرائع المدنية بل السماوية أيضا ً التي اعتبرت الانسان مخلوقا ً على صورة الله ومثاله. اما حقه في احترام حياته الخاصة فهو يتعلق بالكيان المعنوي للانسان بكليته لأنه يرافق كل انسان خلال مسيرته في هذه الحياة. 

انطلاقا ً من ذلك، سوف نستعرض على التوالي، فيالقسم الأول، حق الكرامة الانسانية وفي قسم ثان، حق الانسان في احترام حياته الخاصة.

القسم الأول. الحق في الكرامة الانسانية Droit à la dignité humaine

ان الحق في الكرامة الانسانية كرسته معظم التشريعات الدولية وأكدت عليه معظم الدول المتطورة في مقدمة دساتيرها (أولا ً)، وقد أولاه المشترع اللبناني أيضا ً العناية اللازمة في قوانينه الداخلية (ثانيا ً).

المبحث الأول. الحق في الكرامة الانسانية في القانونين الدولي والمقارن 

ان الحق في الكرامة الانسانية تم النص عليه لأول مرة في القانون الدولي في مقدمة الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 والتي أقرت لكل انسان الحق في الكرامة الانسانية 
« Considérant que la reconnaissance de la dignité inhérente à tous les membres de la famille humaine »

وقد أكدت على ذلك أيضا ً المادة الأولى منه التي جاء فيها ما حرفيته:
Tous les êtres humains naissent libres et égaux en dignité et en droits

أي ما تعريبه:" يولد جميع الناس أحررا ً متساوين في الكرامة والحقوق."

وكذلك تضمن الاعلان العالمي لحقوق الانسان مواد أخرى مستوحاة مباشرة من مضمون المادة الأولى وأبرزها المادة 2 المتعلقة بحق الانسان في الحياة، والمادة 3 المتعلقة بحقه بعدم الاعتداء على جسده والمادة 4 التي تمنع التعذيب والمعاملة غير الانسانية.

على الصعيد الأوروبي، فقد تضمن الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية للانسان لعام 2000 وفي مادته الأولى أيضا ً تكريسا ً واضحا ً لمبدأ الكرامة الانسانية التي جاء فيها ما حرفيته:
La dignité humaine est inviolable. Elle doit être respectée et protégée

أي ما تعريبه: "ان الكرامة الانسانية لا يمكن انتهاكها انما يجب احترامها والمحافظة عليها."

كما نصت على هذا الحق نصوص دولية خاصة تتعلق تحديدا ً ب "اخلاقيات علم الأحياء" (Bioéthique) كالاعلان العالمي المتعلق ب "المجين البشري وحقوق الانسان " لعام 1997 
Déclaration universelle sur le génome humain et les droits de l’Homme de l’UNESCO 1997
الذي نص في المادة الثانية منه على هذا الحق والتي جاء فيها: 
Chaque individu a droit au respect de sa dignité et ses droits

أي ما تعريبه: "لكل فرد الحق في احترام كرامته وحقوقه".

في هذا الاطار، نصت أيضا ً المادة الثالثة من الاعلان العالمي لأخلاقيات علم الأحياء وحقوق الانسان لعام   Déclaration universelle sur la bioéthique et les droits de l’Homme de l’UNESCO  2005 على ما حرفيته:

La dignité humaine, les droits de l’Homme et les libertés fondamentales doivent être pleinement respectés

أي ما تعريبه: "ان الكرامة الانسانية وحقوق الانسان والحريات الأساسية يجب أن تحترم بشكل تام." 

ان هذا التكريس لحق الانسان في الكرامة لم يقتصر فقط على النصوص الدولية بل نصت عليه أيضا ً معظم دساتير الدول.

بالنسبة الى الدول العربية، فان العديد من دساتيرها أشار الى هذا الحق كالدستور الكويتي الذي نص في المادة  29منه على أن "الناس سواسية في الكرامة الانسانية ". وهذا النص مماثل لما نصت عليه المادة 18 من الدستور البحريني. نذكر أيضا ً في هذا السياق، دستوردولة الامارات العربية المتحدة الذي نص في المادة 26 منه على أنه: " (...) لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه الا وفق أحكام القانون ولا يعرض أي انسان للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة". كذلك نصت المادة 9 من الدستور المصري على أن : "كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد  تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الانسان..."

أما على صعيد الدول الأوروبية، فان هذا الحق مكرس بشكل واضح ومباشر في المواد الأولى من دساتيرها ونذكر على سبيل المثال المادة الأولى من الدستور الألماني التي نصت على ما حرفيته:
La dignité de l’être humain est intangible

أي ما تعريبه أن "الكرامة الانسانية لا يمكن المس بها ."

أما في فرنسا فقد كرس المجلس الدستوري هذا الحق واعتبره حقا ًذا قيمة دستورية 
 Droit à valeur constitutionnelle وذلك في قراره الشهير رقم 94-343/344 تاريخ 27 تموز 1994 والمتعلق بقانون أخلاقيات علم الأحياء La loi bioéthique

في المقابل، نجد بأن المشترع اللبناني لم يكرس هذا الحق بشكل مباشر وصريح على غرار القانونين الدولي والمقارن.

المبحث الثاني. الحق في الكرامة الانسانية في القانون اللبناني

لم يأت المشترع اللبناني صراحة على ذكر لحق الانسان في الكرامة سواء في الدستور اللبناني أو في غيره من القوانين الا أنه رتب عقوبات جزائية على الذم والقدح بأحد الناس وذلك في المواد 582 حتى 586 من قانون العقوبات، باعتبار أن حق الانسان في المحافظة على سمعته وشرفه هو من جوهر المحافظة على كرامته.

لقد عرف المشترع اللبناني في المادة 385 من قانون العقوبات الذم بأنه "نسبة أمر الى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام ينال من شرفه أو كرامته. وكل لفظة ازدراء أو سباب وكل تعبير أو رسم يشفان عن التحقير يعد قدحا ً اذا لم ينطو على نسبة أمر ما...". وقد ميز الاجتهاد اللبناني بين القدح والذم اذ اعتبر "أن القدح يقوم بمجرد اسناد أوصاف معينة للمجني عليه أو استعمال  ألفاظ الازدراء والسباب، بينما لا بد في جرم الذم من تحديد الحادثة أو الواقعة موضوع الاسناد". قضي في هذا الياق ب "أن نسبة المستأنف للمستأنف عليها قبولها مبلغ مائتي ألف ليرة لبنانية على سبيل الهدية لتسهيل تسوية وضعها في الضمان الاجتماعي ليصبح قانونيا ً من شأنه أن يمس بشرفها وكرامتها اذ أنه ينسب اليها جرم جزائي وأن الذم قد تم بواسطة كتابين مرسلين الى مدير عام المؤسسة العامة فيكون فعل النشر المنصوص عنه في المادة 209 متوفر. "وقضي أيضا ً "أن فعل المدعى عليه يعتبر من قبيل القدح والذم الجنحتين المنصوص عنهما في المواد 584/582 معطوفتين على المواد 209 و385 عقوبات وحيث أن تلفزيون لبنان يعتبر مسؤولا ً بالمال عن اذاعة الحديث المتلفز عبر شاشته".

لا بد من الاشارة هنا الى أن المشترع اللبناني لم يحرص وحسب على كرامة الأشخاص وشرفهم وهم أحياء وانما حرص أيضا ً على كرامة الشخص قبل ولادته وبعد وفاته. 

ففي الحالة الأولى، يعاقب المشترع اللبناني الاجهاض بشكل حازم ومطلق في المواد 539 الى 545 من قانون العقوبات وذلك بعكس القانون الجزائي الفرنسي الجديد الصادر في العام 1992 الذي أعطى المرأة الحق في الاجهاض انما ضمن ضوابط قانونية محددة في القانون عينه وفي قانون الصحة العامة. 

أما بعد وفاة الانسان، فقد نص قانون العقوبات اللبناني في النبذة الثالثة وتحديدا ً في المواد 478 الى 482 على جرم التعدي على حرمة الأموات. كذلك نصت المادة 586 فقرة 2 على ما حرفيته  "اذا وجه الذم  أو القدح الى ميت جاز لأقاربه حتى الدرجة الرابعة دون سواهم استعمال حق الملاحقة. هذا مع الاحتفاظ بحق كل قريب أو وريث تضرر شخصيا ً من الجريمة".

ان مبدأ الاحترام الذي ينضوي خلفه مبدأ الكرمة الانسانية يلازم الشخص خلال حياته وبعد وفاته، وقد أكد عليه أيضا ً الاجتهاد الفرنسي خصوصا ً في قضية التقاط صورة للرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران بعد أن توفاه الله.

اضافة الى الحق في الكرامة الانسانية الذي يعتبر جوهر الكيان المعنوي للانسان، لهذا الأخير الحق أيضا ً في احترام حياته الخاصة التي تشكل اطار هذا الكيان المعنوي.

القسم الثاني . حق الانسان في احترام حياته الخاصة 
Droit au respect de la vie privée

ان هذا الحق، المكرس في العديد من النصوص القانونية المحلية منها والدولية (أولا ً)، يتجلى في أنواع عدة سنأتي على تبيان أبرزها (ثانيا ً).

المبحث الأول. المراكز القانونية المكرسة لحق الانسان في احترام حياته الخاصة 

لقد كرست العديد من النصوص القانونية الدولية مبدأ احترام الحياة الخاصة وأهمها المادة 12 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 التي نصت على ما يلي:
« Nul ne sera l’objet d’immixtions arbitraires dans sa vie privée, sa famille, son domicile ou sa correspondance, ni d’atteintes à son honneur et à sa réputation… »

أي ما تعريبه: "لا يمكن لأي شخص أن يكون عرضة لتدخلات اعتباطية تطال حياته الخاصة أو عائلته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا حتى لأي تعديات على شرفه وسمعته..."

كذلك فقد نصت المادة 8 من المعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الانسان التي جاء فيها:
« Toute personne a droit au respect de sa vie privée et familiale, de son domicile et de sa correspondance. »

أي ما تعريبه:"لكل شخص الحق في احترام حياته الخاصة ومسكنه ومراسلاته."

أضف الى ذلك نص المادة 17 من العهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 التي كررت ما جاء في المادة 12 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان المشار اليها أعلاه.
أما في لبنان ، فلا يوجد نص  قانوني يكرس بشكل واضح ومطلق حماية الحياة الخاصة للشخص. لكن يستدل من النصوص القانونية المطبقة بأن المشترع اللبناني نص على هذه الحماية في بعض أوجهها خاصة تلك المتعلق منها بحرمة المنزل وضمان الحريات الأساسية التي كفلها الدستور اللبناني في المواد 8و9و10 منه.

في هذا السياق، نصت المادة 571 من قانون العقوبات اللبناني على ما يلي: "من دخل منزل أو مسكن آخر أو ملحقات مسكنه أو منزله، خلافا ً لارادته، وكذلك من مكث في الأماكن المذكورة خلافا ً لارادة من له الحق في اقصائه، عوقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر. ويقضى بالحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنين اذا وقع الفعل ليلا ً، أو بواسطة الكسر أو العنف على الأشخاص، أو باستعمال السلاح، أو ارتكبه عدة أشخاص مجتمعين. لا تجري الملاحقة في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الأولى الا بناء على شكوى الفريق المتضرر".

غير أنه في فرنسا فقد نصت المادة 9 من القانون المدني الفرنسي صراحة على حق كل شخص في احترام حياته الخاصة “Chacun a droit au respect de sa vie privée” واضافت الى ذلك ما حرفيته:
“Les juges peuvent, sans préjudice de la réparation du dommage subi, prescrire toutes mesures, telles que séquestre, saisie et autres, propres à empêcher ou faire cesser une atteinte à l’intimité de la vie privée : ces mesures peuvent, s’il y a urgence. Etre ordonnées en référé. »

أي ما تعريبه: " يمكن للقضاة، بمعزل عن التعويض عن الضرر الحاصل، اتخاذ كل الاجراءات، كالحراسة القضائية والحجز وغيرها، التي من شأنها بوجه خاص منع تعد  ً على الحياة الخاصة أو انهاؤه: ان هذه الاجراءات يمكن أن تصدر، عند توافر عنصر العجلة، عن قضاء الأمور المستعجلة ". 

لا بد من الاشارة هنا الى أنه بالرغم من الأهمية التي يوليها المشترع الفرنسي لحق الانسان في احترام حياته الخاصة، لم يكرس المجلس الدستوري الفرنسي لهذا الحق القيمة الدستورية  valeur constitutionnelle التي منحها للحق في الكرامة الانسانية خاصة وأنه رد في هذا المجال عدة قوانين واعتبرها غير دستورية لمخالفتها الحق في احترام الحياة الخاصة. 

ما هي أبرز أنواع الحقوق التي يتجلى من خلالها الحق في احترام الحياة الخاصة؟ 

المبحث الثاني. أنواع الحقوق المتعلقة باحترام الحياة الخاصة للأنسان 

لكل شخص الحق في احاطة حياته بخصوصية معينة، تمنع الغير من التدخل في كشف تفاصيلها الخاصة  أو التحقيق فيها. يشتمل مفهوم الحياة الخاصة على كل ما يمس بهوية الشخص، بحياته العائلية، بحياته االوجدانية والعاطفية كأن يتم طرح سؤال يتعلق بهذا الشق من حياته الخاصة خلال برنامج تلفزيوني،  أو التعرض لحياته الزوجية والعائلية أو لوضعه الصحي كالافصاح عن مرض يعانيه. نشير هنا الى أن تطبيق هذا المبدأ لا يرد على اطلاقه، وانما يستثنى من نطاق تطبيقه حالة موافقة الشخص الصريحة أو الضمينة على تناول حياته الخاصة. 

ان الحق في احترام الحياة الخاصة للانسان يمكن  أن يعبر عنه أيضا ً بأوجه متعددة أخرى من خلال احترام حرمة منزله، احترام صورته وصوته وسرية مراسلاته واتصالاته الهاتفية وحماية أفكاره كما وحقه في السرية المكفول بمفهوم السر المهني على بعض الممتهنين وغيرها من حقوق الشخصية التي سنلقي الضوء بايجاز على ابرزها.

بالنسبة الى سرية المراسلات secret des correspondences فان عدم احترامها يتحقق عندما يأخذ طرف ثالث العلم بالمراسلة ذات الطابع الشخصي وذلك من دون موافقة مسبقة للمرسل. فقد أكد المشترع اللبناني على مبدأ احترام سرية المراسلات وتحديدا ً في قانون  أصول المحاكمات المدنية في الباب الثالث من الكتاب الأول المتعلق بالاثبات، اذ نصت المادة 159 منه على أنه: "اذا لم تكن الرسالة سرية جاز للمرسل اليه استعمالها والتنازل عنها للغير"، كما أضافت المادة 160 من القانون ذاته على "أنه لا يعتد في المواد المدنية بالرسائل السرية التي تقدم الى المحكمة بغير اتفاق المرسل والمرسل اليه". في هذا السياق قضي في فرنسا بأنه لا يحق لرب العمل الاطلاع على البريد الالكتروني ذات الطابع الشخصي والخاص الذي يرسله أو يستلمه الموظف بوساطة جهاز الكومبيوتر الموضوع في تصرفه  لأهداف تخدم وظيفته.
أما في ما خص التنصت على المكالمات الهاتفية ، فقد تناولت المواد 100 الى 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسي هذا الموضوع بحيث اعتبرت أن هذا الاجراء لا يمكن اتخاذه الا من قبل قاض وتحديدا ً تحت رقابة قاضي التحقيق وذلك خلال التحقيق في جنحة أو جريمة معاقب عليها بالحبس لمدة سنتين أو ما فوق. 

في لبنان، يخضع هذا الموضوع  لأحكام القانون رقم 140 تاريخ 27/10/1999 الذي يرمي تحديدا ً الى صون الحق بسرية المخابرات التي تجرى بواسطة أية وسيلة من وسائل الاتصال. وفي هذا الاطار، نصت المادة 2 من القانون المشار اليه على أنه " في حالات الضرورة القصوى، لقاضي التحقيق الأول في كل محافظة اما عفوا  أو بناء لطلب خطي من القاضي المكلف بالتحقيق ، أن يقرر اعتراض المخابرات التي تجري بواسطة أي من وسائل الاتصال المبينة في المادة الأولى من هذا القانون، وذلك في كل ملاحقة بجرم يعاقب عليه بالحرمان من الحرية لمدة لا تقل عن سنة. يكون القرار خطيا ً ومعللا ً، ولا يقبل أي طريق من طرق الطعن. 

"وفي هذا السياق، قضي في لبنان ب "أن التنصت الصوتي يصطدم بحق السرية في الحياة الخاصة مما يشكل حائلا ً دون اعتماده في طرق التحقيق والاستقصاء، علما ً أن القانون لا يسمح باستعمال التنصت الصوتي أو البصري أو الهاتفي للحصول على أدلة تقدم الى القضاء الا في نطاق  أحكام المادة 136  أصول محاكمات مدنية وبأمر من المحكمة. وحيث أن المحكمة ترى أن التسجيل الصوتي لا يتمتع بالقوة الثبوتية ويقتضي اهماله خاصة وأنه يتعرض للحياة الشخصية للمدعى عليهما". 

بالنسبة الى السرية المهنية، تخضع بعض المهن لمبدأ السرية المهنية تحديدا ً في ما يخص الأطباء والمحامين. في فرنسا تفرض المادة 4-1110 L من قانون الصحة العامة على الطبيب أن يبقي المعلومات والتفاصيل الخاصة التي حصل عليها من مريضه طي الكتمان. أضف الى ذلك العقوبات الجزائية التي يمكن أن يتعرض لها كل من ينتهك السرية المهنية. أما في لبنان فقد نصت المادة 7 من قانون الآداب الطبية على  أن السرية المهنية المفروضة على الطبيب هي من النظام العام ويتوجب على الطبيب التقيد بها في كل الظروف التي يدعى فيها لمعالجة مريض أو للاستشارة. قضي في هذا السياق ب "بأن التذرع بسر المهنة يعود الى المرسل الذي بامكانه الاعتراض على واقعة ابراز الرسالة المضرة به من المرسل اليه ـو الغير، أما اذا قبل بابراز الرسالة  أو صورتها بملء ارادته فيكون متنازلا ً عن السرية". 

فيما يتعلق باحترام صورة الشخص droit à l’image de la personne، يتمتع كل شخص بحق على صورة التقطت له في مكان خاص وفي اطار حياته الخاصة. على هذا الأساس يحق له منع استخراج نسخة عن هذه الصورة وتوزيعها ونشرها سواء التقطت له بشكل مباشر  أو اقتطعت من فيلم  أو أخذت شكل رسم له. ويشترط على الناشر أن يستحصل على اذن مسبق بالنشر من قبل الشخص المعني تحديدا ً قبل استعمال صورته أيا ً كان هدف الاستعمال تجاريا ً أم لا وسواء كان هذا الشخص مشهورا ً أو غير مشهور. فان استعمال صورة شخص في اطار حياته الخاصة من دون موافقته الصريحة  أو حتى الضمينة من شأنه الزام الناشر بالتعويض المالي والملاحقة الجزائية اذا ثبتت نيته بالايذاء.

أما فيما يتعلق بالأشخاص الذين يتعاطون الشأن العام فهؤلاء لا يتمتعون بهذا الحق في ما يخص الصور التي التقطت لهم خلال تأدية مهامهم. فعلى سبيل المثال لا يمكن لرئيس الوزراء الاعتراض على صورة التقطت له خلال خروجه من مقر رئاسة الوزراء. غير  أن هذا الحق يعود اليهم في ما يخص الصور التي التقطت لهم في اطار حياتهم الخاصة مما يفرض شرط الموافقة عليها. نشير هنا للدعوى التي ربحها الرئيس الفرنسي نيكلا ساركوزي ضد Ryan Air على أثر استعمالها في اعلاناتها صورة خاصة له تجمعه بزوجته دون موافقتهما. 

وأخيرا ً، بالنسبة الى احترام الشخص في صوته droit à la voix، فانه لا يمكن اذاعة صوت الانسان من دون الحصول على موافقته المسبقة ولا يقتصر ذلك على مجال الغناء. لا يمكن مثلا ً تقليد صوت شخص أو اخضاعه لمونتاج من شأنه أن يخلق التباسا ً أو تشابكا ً في الصوت خاصة متى  ألحق  ضررا ً بالشخص حتى ولو كان فقط ضررا ً معنويا ً. يجب هنا على المقلد أو على كل من أراد تسجيل صوت شخص ما الحصول على الموافقة المسبقة من الشخص المعني المفترضة شهرته  لأجل استعمال صوته. كذلك ان تسجيل محادثات خاصة من دون الحصول على اذن من  أجراها يعرض من قام بالتسجيل الى المسؤولية المدنية وحتى الملاحقة الجزائية. 

ختاما ً، اذا كان المبدأ القانوني ينص على الزام كل من يتعرض لحياة الانسان بالتعويض عليه استنادا ً الى أحكام المسؤولية المدنية التي تفرض توافر خطأ وضرر وصلة سببية ، فن الاجتهاد في فرنسا، ونتيجة تكريس الحق في حماية الحياة الخاصة بنص خاص هو المادة 9 من القانون المدن المشار اليها  أعلاه، قضي بأن مجرد التعرض للحياة الخاصة يعطي المعتدى عليه الحق في المطالبة بالتعويض من دون الزامه باثبات الضرر