الندوة اللبنانية للحفاظ على البيئة
نتحدث هنا من عدة أنواع من اطلاق النيران، فهنالك ما هو اطلاق نار ومفرقعات نارية في الأجواء ومنها ما هو حرب مباشرة على الطيور وهنالك حروب لا تكون الطيور فيها الهدف ولكنها تتأثر سلبا ً كما لو كانت هي الهدف.
سنعرض لهذه الحالات فيما يلي:
ان اطلاق النار والمفرقعات والأسهم النارية في النهار أو الليل لمناسبة فرح (عرس) أو خطبة أو مولود جديد، أو لمناسبة نجاح في البريفيه أو البكالوريا، أو لمناسبة الحصول على دفتر سواقة أو شراء سيارة، أو لمناسبة حزينة أثناء وقبل وبعد الجنازة، أو لمناسبة القاء خطاب سياسي أو ورود خبر مفرح أو محزن، أو لمناسبة عودة الحجاج الى أرض الوطن قد تحدث جميعها في أي لحظة وثانية من ال24 ساعة التي تميز اليوم.
قد نتعود نحن البشر على هذه الأصوات والطلقات مع الوقت ونتكيف معها مع استمرار امكانية الشعور بالنقزة، أو القيام من النوم عند الساعة الثالثة صباحا ً مع هلع يصاحبه ضربات قلب قد لا تكون مؤذيه ولكن مع التكرار فهي حتما ً مميتة. أما الطائر فهو غير مجبر على سماع هذه المفرقعات أو أصوات الرصاص، لأن الله منحه نعمة القدرة على الطيران ليلا أونهارا، فنراه يأخذ المبادرة ويرحل، تاركا غصبا عنه البيض في الأعشاش ليبحث عن مكان أخر أكثر أمنا.
ولكن الأمر ليس بهذه السهولة، خاصة عندما نعلم أن بعض الأنواع قد تموت وهي نائمة في الأشجار، ليس بسبب اصابتها برصاصة طائشة أو سهم طائش، بل بسبب الرعب الذي يصيبها أثناء تفاجئها بصوت الفرقعة ودويها، خاصة الأنواع التي تكون مناعتها قليلة بسبب نقص الفيتامين سي المؤقت في جسمها. كما أن الفيتامين سي نفسه يفقد تأثيره على حماية الجسم بسبب توتر هذا الأخير واجهاده المستمر بدوي المفرقعات.
الحالة الثانية هي حرب القواصون، الذين لا يفقهون من آداب الصيد شيئا ً، على الطيور، وهي عادة حرب تنتهي أو لا تنتهي بمجازر بحق الطيور. فيقوم هؤلاء باطلاق النار على كل شىء يطير سواء كان عصفورا ً أو فراشة أو خفاشا ً، كما يطلقون النار على اللوحات أو علب المشروبات عندما لا يعودوا يجدون ما يطير. بل أن هؤلاء القواصون لا يفقهون من آداب الصيد شيئا ً لأنهم لا يمارسون الصيد كرياضة بل كمهنة قتل تعتمد على الحيلة غير المشروعة لجذب الطيور اليهم بدل البحث عنها في البراري، فأ صبحنا نجد الصياد يجلس تحت شجرة ويضع قهوته وبندقيته على طاولة أمامه ويشغل آلة تسجيل تقلد أصوات العصافير، فيأتي العصفور الى الشجرة ليلقى حتفه. كما أنهم يتفننون بجلب الطيور تحت الأضواء لقتلها ليلا ً، غير آبهين للازعاج الذي يتسببون به الى الجيران، علما ً بأن المثل يقول أن الجار قبل الدار.
أما عن تأثير الحروب الاقليمية على الطيور فلقد أصبح واضحا ً أن:
- الطيور التي كانت تشتي في سوريا آتية من الشمال أصبحت تتجه جنوبا ً أكثر لتشتي في لبنان وفلسطين والأردن، وما ذلك سوى خوفا ً من القذائف والمدافع والصواريخ والرصاص والبراميل والمتفجرات.
- ان الطيور الحوامة التي تعتمد على الهواء الساخن الذي يحلها لتوفر الطاقة أثناء الهجرة، فلقد هجرت السلسلة الشرقية الى حد ما بسبب قربها من مراكز المعارك، فابتعدت الى الداخل اللبناني كوسيلة لتجنب نار وتفجيرات الحروب.
- ان الطيور التي تعشش في السهل ثم تنتقل لاحقا لتعشش مرة ثانية في نفس الموسم على ارتفاع أعلى في جبل لبنان أو جبال السلسلة الشرقية حيث يتوفر الغذاء، أصبح قسم منها، أي القسم الذي عادة ما يرتفع الى قمم السلسلة الشرقية، يفرخ للمرة الثانية على نفس الأرض في السهل من دون حاجة الى الصعود والتعرض الى مخاطر الحرب. وهذه هي حال بعض أنواع عصافير الشرشور المهددة بخطر اللأنقراض حسب التصنيف العالمي للأتحاد العالمي لصون الطبيعة.
- ان الطيور المقيمة والمفرخة في سوريا والتي لا نراها عادة في لبنان والطيور المشتية التي كانت لا تصل الى حدودنا الشمالية قد بدأت منذ بداية الحرب بالظهور التدريجي في لبنان حيث لم يسبق مشاهدتها فيه البتة حسب التقارير العلمية التي تعود الى الفترة الممتدة منذ العام 1825 وحتى عام 2011 هذه حال الدغناش الأوروآسيوي والحبارى الصغيرة والبط المرمي والدلم وغيرهم على سبيل المثال فهل تكون هذه ظاهرة لجوء من نوع آخر، أي لجوء الطيور الى لبنان على الرغم من المخاطر التي تحيط بهم في بلد يقتل فيه سنويا ً ما معدله ثلاثة ملايين طائر ينتمون الى 90 % من النواع المسجلة في لبنان.