نعيش منذ أكثر من خمسة أعوام في جو يسوده واقع مذل، بحيث بات لزاماً علينا أن نطلق العنان لكل ما يمكن أن يقال ، تارة من هنا وتارة من هناك، منبهين لمكامن الخطر.
قيل في العدالة االكثير، فهي أعلى مراتب الحكمة.
والعدالة في القضاء حكمة سماوية راسخة في ضمير كل قاضٍ كما وفي ضمير القيمين على القضاء، تهديهم إلى الطريق القويم.
طفح الكيل ووعاء الغضب لم يعد يتسع نتيجة لهذا الواقع المذل.
لن نسكت عن الحق، كي لا نكون ذلك الشيطان الأخرس، وصوتنا الصارخ هو صدى وجع الناس وقلقهم على المصير.
أي نظام سياسي هذا الذي يحكمنا، لا بل يتحكّم بنا.
أي طبقة سياسية تفشل تهرُّباً أو تواطؤاً أو عجزاً عن القيام بواجباتها.
أي حكومة هذه التي لا تجتمع إلاّ بالتسويات ، فتشل البلاد والعباد إذا إختلفت حول أي من المسائل.
لم نعد نطالبهم بالإصلاح فهم أعجز من أن يقوموا به، ولا هو أصلاً في صالحهم.
نطالبهم بتأمين الحد الأدنى من مقومات السلطة القضائية، اي البتّ فوراً ومن دون تأخير بالتشكيلات القضائية.
لن نسمح بتعريض مصالح الناس للخطر، كما لن نسمح بتشويه صورة القضاء وإظهاره بمظهر التابع للسلطة السياسية. فالقضاء الذي أقامه الدستور سلطة ثالثة، يحمي الحريات كما ويحمي الأرزاق، ولا يمكن بالتالي تصوّر عدالة على يد قضاء تابع لأية سلطة.
القضاء ضمانة العدالة التي يريدها كل الناس، ولا يجوز أن يتدخل السياسيون في عمله كما لا يجوز سترُ عيوبه وأخطائه، بل تمكين التفتيش القضائي من تصحيح الشوائب.
إن تشكيل هيئات المحاكم بالإنابة مخالف للقانون، ولن نقبل بها بعد اليوم.
فيا أيها السياسيون إرفعوا أيديكم عن القضاء وقوموا بواجباتكم إلى أن تتبدل الأحوال وتعطى صلاحية إصدار التشكيلات لمجلس القضاء الأعلى حصراً.
ندعو الحكومة للقيام بواجباتها في هذا المجال، وقبل الخامس عشر من أيلول، أي أمس قبل اليوم واليوم قبل الغد.
كما وندعوها، وندعو القوى السياسية كافة إلى فصل موضوع التشكيلات عن أزمة التعيينات في الوظائف الحكومية، فهذه مسؤولية وطنية، والتقاعس فيها هو أذية مقصودة للوطن.
فلو كان هذا النظام يحترم حرية القضاة وحقهم في التعبير، لباحوا بالكثير وسيأتي يوم يأخذون فيه هذا الحق ويساهمون في صياغة رأي عام واعٍ ومتحرّر من الغرائزية المدمِّرة للأوطان.
حذار أيها المتربعون على كُرسيكم، فإن الأرض التي تقفون عليها هي حق للجميع دون إستثناء، وشرعيتكم مستمدة من إرادة المواطنين، فلا تتجاهلوا هذه الإرادة وأنصتوا جيداً لصوت الناس قبل فوات الأوان. لقد طفح الكيل وبركان الغضب على وشك الإنفجار.
أنطونيو الهاشم نقيب المحامين