في الارث
في لبنان وفي عهد الدولة العثمانية كانت جميع الطوائف تطبق احكام الشريعة الاسلامية المأخوذة من المذهب الحنفي الذي كان مذهب الدولة الرسمي باستثناء الارث في الاراضي الاميرية والموقوفة وهي اراضي كانت رقبتها للدولة العثمانية ويجري عليها حق التصرف للافراد لقاء دفع بدل فكانت تخضع لنظام خاص منصوص عنه في قانون 21 شباط 1912.
بعد الحرب العالمية الاولى عام 1914 لم يعد المذهب الحنفي الشريعة العامة التي يخضع لها جميع اللبنانيين دون استثناء اذ اصدر حاكم لبنان الكبير بتاريخ 27 كانون الاول سنة 1926 بناء" لرغبة الدولة الفرنسية المنتدبة آنذاك قرارا" تشريعيا" رقم 2503 صدق من المفوض السامي بقرار صدر بتاريخ 30/1/1926 اعترف بموجبه بالمذهب الجعفري حيث اصبح ارث المسلمين الشيعيين خاضعا" لاحكام هذا المذهب.
اما الطائفة الدرزية فقد صدر قانون بتاريخ 9 كانون الاول 1930 اعطى المحاكم المذهبية الدرزية بعض الصلاحيات ومنذ 2 شباط 1948 بدأت تطبق قانون الاحوال الشخصية الخاص بها والشريعة الحنفية في كل ما يخرج عن المسائل التي لم يلحظها هذه القانون،
جميع الطوائف غير المحمدية طبقّت القانون الصادر بتاريخ 23 حزيران 1959 على الوفيات الحاصلة بعد سريانه وقبل هذا التاريخ كانت تخضع لأحكام الشريعة الاسلامية المأخوذة من المذهب الحنفي باستثناء الوصايا التي كانت تخضع لقانون الوصية لغير المحمديين الصادر بتاريخ 7 آذار من العام 1929 ودعاوى الوصية واثبات الوفاة وانحصار الارث وتعيين الحصص الارثية وتحرير التركات المتعلقة بالطوائف غير الاسلامية فكانت تخضع لصلاحية المحاكم المدنية استنادا" الى المرسوم الاشتراعي رقم 6 الصادر بتاريخ 3 شباط عام 1930 وبعض الصلاحيات المحفوظة للمحاكم الروحية في قانون 2 نيسان 1951.
القانون الحالي للطوائف غير المحمدية
ان القانون عام 1959 المعمول به حتى يومنا هذا في ارث الطوائف غير المحمدية اتى باحكام جديدة تخالف تماما" الاحكام القديمة السابقة له .
اسباب الارث
الاسباب التي على اساسها يحدد الورثة هي النسب والزوجية والتبني اما قرابة المصاهر Parente’ par alliance اي علاقة احد الزوجين باقارب الآخر ليست من اسباب الارث ولا يمكن للزوج ان يرث اقارب زوجته ولا يمكن لهذه الاخيرة ان ترث اقارب زوجها.
استحقاق الارث
حياة الوارث
لاستحقاق الارث يجب ان يكون الوارث حيا" فالشخص الذي لا يكون حيا" بتاريخ وفاة المورث لا يرث منه باستثناء الجنين الذي يشترط ليستفيد من الارث ان يخلق حيا" خلال ثلاثماية يوما" تلي وفاة مورثه فاذا ولد ميتا" فلا ميراث له.
وتطرح مشكلة وفاة عدة اشخاص يرث بعضهم بعضا" في حادث واحد دون ان يعرف من هو على قيد الحياة عند الآخر ما يعرف بنظرية الموتى جماعة commorientes .
فقد اعطى هذا القانون القضاء صلاحية تعيين مواقيت وفياتهم تباعا واذا تعذر عليه ذلك يعتبر جميع الهالكين في الحادث الواحد متوفين في وقت واحد ولا يرث احدهم الآخر وينتقل ارث كل منهم الى ورثته الاحياء.
الوارث اجنبي أومن غير ديانة المورث
ان قانون العام 1959 لم يمنع التوارث بين لبناني واجنبي ووريث ينتمي الى دين غير ديانة المورث لكنه اشترط المعاملة بالمثل بمعنى ان الوارث من غير الجنسية اللبنانية لا يمكنه ان يرث اللبناني الا اذا كانت شريعته تسمح بتوريث اللبنانيين والوريث الذي ينتمي الى غير ديانة المورث لا يمكنه ان يرث هذا الاخير الا اذا كانت ديانته لا تمنع المسيحي من الميراث،
الحرمان من الارث
يحرم الوارث من الارث اذا اقدم قصدا" دون حق او عذر على قتل مورثه او احد فروع او اصول او زوج المورث او تدخل في القتل او نسب افتراء الى المورث تهمة او شهد عليه زورا" من اجل جناية عقابها الاعدام ما لم يكن هذا المورث قد صفح عن المجرم بموجب وثيقة خطية.
فتنتقل حصة الوارث المحروم الى سائر الورثة المستحقين معه واذا لم يكن من ورثة مستحقين معه انتقلت الى فروعه الذين كانوا حلوا محله لو كان قد توفي قبل المورث ولا سلطة للمحروم على الاموال التي تؤول بهذه الصورة الى فروعه ولا يحق له ارثها بعد وفاتهم.
واذا كان الوارث المحروم قد تلقى اموالا" من تركة مورثه قبل اعلان حرمانه منها فيجب عليه ردها الى التركة ورد ما جناه من ريعها وثمارها منذ تاريخ الوفاة.
توزيع الارث
عملا" بقانون 23 حزيران 1959 تنتقل تركة المتوفي الى ورثته وفقا" لحالتين، بقوة هذا القانون Succession ab intestat او بارادة المورث المنفردة اي بالوصية testamentaire Succession وسنتناول في هذا المقال الحالة الاولى لنرى كيف نظّمها المشترع بغياب ارادة المتوفي.
استحقاق الارث بفعل القانون: الورثة
بغياب المانع اوالحرمان من الارث توزع التركة على الورثة بعد ان يحسم منها نفقات تجهيز الميت ودفنه وديونه وما اوصى به في الحد الذي تنفذ فيه الوصية وقد قسم قانون 1959 الورثة الى ثلاث طبقات :
الطبقة الاولى تشمل جميع اولاد المتوفى الشرعيين وفروعهم مهما سفلوا ودون تفرقة بين الذكور والاناث وبين الاولاد المولودين من زيجات مختلفة والمنتمين الى اصل واحد فتقسم التركة بينهم بالتساوي اما اذا توفي احدهم قبل المورث وكان له فروع فيحلون محله ويرثون الحصة التي كانت تؤول له لو كان على قيد الحياة عند وفاة المورث، وهؤلاء الورثة يحجبون من الارث جميع الورثة من الطبقة الثانية والثالثة باستثناء بعض الاشخاص الذين رغب المشترع ان يورثهم معهم وهم : الاب والام والزوج والزوجة والولد المتبنى والولد غير الشرعي.
اذا كان الأب او الأم او احدهما على قيد الحياة فيرثان معا" او يرث احدهما سدس التركة واذا كانت له زوجة او زوج فيرث ربع التركة.
اما الولد المتبنى فيرث كالولد الشرعي من المتبنى ووجوده كوجود الولد الشرعي يؤدي الى حجب الورثة حجب نقصان او حرمان من الارث لكن العلاقة الارثية تنحصر بين المتبنى والمتبني بمعنى انه لا يكون للولد المتبنى اي حق ارثي في تركات اقارب المتبنى كما لا يحق للمتبنى ان يرث من الولد الذي تبناه لعدم وجود اي نص قانوني حول ذلك وتجدر الملاحظة الى انه لا يوجد اي نص يمنع اولاد المتبني من الحلول محله في تركة المتبنى وان التبني لا يخرج الولد المتبنى من عائلته الاصلية فيبقى عضوا" فيها له فيها وعليه نحوها جميع الموجبات.
اما الولد غير الشرعي فيرث عند وجود الفروع ربع الحصة التي تعود للابن الشرعي.
الطبقة الثانية تشمل الاب والام والاخوة والاخوات وفروعهم وفي حال عدم وجود فروع للمورث يوزع الارث بين والدي المتوفي فتقسم التركة بينهما الى قسمين متساويين قسم يؤول الى جهة الاب وقسم يؤول الى جهة الام ولا ميراث للاخوة والاخوات وفروعهم في هذه الحالة، اما اذا كان احد الوالدين قد توفي قبل المورث فان فروعه ينالون من التركة الحصة التي كانت تؤول له لو كان حيا" ويتقاسمونها بالتساوي فيما بينهم واذا لم يكن له فروع فتنتقل حصته الى الاصل الآخر الموجود على قيد الحياة.
واذا كان الاب والام قد توفيا قبل المورث فان فروع كل منهما ينالون الحصة التي كانت تؤول لمورثهم لو كان حيا" .
اما اذا كان والدا المتوفي قد توفيا قبله ويوجد بين اشقائه من توفي قبله ايضا" ولديه فروع او ان والديه واشقاءه قد توفوا جميعهم قبله وبقي فروع اشقائه ففي الحالة الاولى اي اذا كان الورثة موزعين بين اشقاء المتوفي واولاد اشقائه الذي توفوا قبله يطبق حق الخلفية ويرث اولاد الاشقاء الحصة التي كانت تعود لوالدهم فيما لو كان ما زال على قيد الحياة ام اذا كان الاشقاء قد توفوا جميعهم قبل المتوفي فلا يطبق عليهم حق الخلفية ويرثون بالتساوي فيما بينهم.
الطبقة الثالثة تشمل الجد والجدة لاب والجد والجدة لام وفروع هؤلاء اي الاعمام والعمات وفروعهم لجهة الاب والاخوال والخالات وفروعهم لجهة الام . يوزع الارث على الطبقة الثالثة عندما لا يوجد ورثة من الطبقتين الاولى والثانية.
وفي هذه الطبقة تقسم التركة مناصفة بين جهة قرابة الاب وجهة قرابة الام فاذا كان الجد والجدة لاب والجد والجدة لام جميعهم على قيد الحياة وقت وفاة المورث فتقسم التركة بالتساوي بحيث ينال كل واحد منهم ربع التركة واذا كان احد الجد او الجدة من جهة الاب او الام قد توفى قبل المورث ولديه فروع انتقلت حصته الى فروعه الذين يتقاسمونها بالتساوي فيما بينهم واذا لم يكن له فروع انتقلت الحصة الارثية التي كانت تؤول له الى الجد الآخر من الجهة نفسها.
اما اذا كان جدا المتوفي لابيه او جداه لامه قد توفيا دون فروع خصصت التركة لجديه من الجهة الاخرى واذا كانا قد توفيا فتعود التركة الى فروعهما فاذا كانوا من درجة واحدة تقسم التركة بينهم بالتساوي وحسب عدد رؤوسهم اما اذا كانوا ينتمون الى درجات قرابة متفاوتة وبالرغم من وجود بعض التباين في توزيع التركة عليهم فاننا نرى وانطلاقا" من النصوص القانونية المعمول بها حتى تاريخه تطبيق مبدأ الدرجات بحيث ان الوريث الاقرب درجة للمورث يرث منه ويحجب الابعد درجة اي ان هذا الاخير لا يرث شيئا".
ارث الزوج او الزوجة : الحصة الارثية التي يرثها الزوج الباقي على قيد الحياة من الزوج المتوفي قبله هي .
(1/4) ربع التركة اذا اجتمع مع فروع المورث اي مع ورثة من الطبقة الاولى.
(1/2) نصف التركة اذا اجتمع ما اب او ام او اخ او اخت المورث.
(5/6) خمسة اسداس التركة اذا اجتمع مع جد او جدة المورث سواء اكان من جهة ابيه او امه.
كامل التركة اذا لم يوجد احد من الورثة المذكورين اعلاه.
ارث الولد غير الشرعي : الحصة الارثية للولد غير الشرعي هي:
(1/4) ربع الحصة التي كانت تؤول اليه فيما لو كان شرعيا" عند وجود فروع شرعيين للمتوفي.
(1/2) نصف الحصة التي كانت تؤول اليه فيما لو كان شرعيا" عند وجود اصول او اخوة او اخوات شرعيين او فروع شرعية للاخوة واخوات المتوفي
ثلاثة ارباع (3/4) التركة عند عدم وجود احد من الورثة المذكورين اعلاه وفي هذه الحالة يكون الورثة عادة الجد او الجدة لاب والجد او الجدة لام او العموم والعمات والاخوال او الخالات او فروع هؤلاء كابن العم او بنت الخال.
كامل التركة عند عدم وجود ورثة من الطبقة الاولى والثانية والثالثة.
وتجدر الملاحظة الى حق الاولاد الشرعيين او فروعهم دون غيرهم باخراج الاولاد غير الشرعيين من التركة بعد ان يسددوا بدل الحصة العائدة لهم نقدا" او اموالا" ثابتة من التركة بعد اجراء التخمين العادل.
واذا لم يوجد احد من الورثة المعنيين في المواد السابقة اعلاه ولم يوص المتوفي بتركته تعود هذه التركة الى الدولة.
وفي الخلاصة ان قانون الارث لعام 1959 قدم الكثير من المبادئ الهامة في قضايا الارث لكنه وبالنظر الى تطوّر المفاهيم والواقع الاجتماعي من الضروري اعادة النظر ببعض احكامه.
المحامي روميو مروان