وصلتني في شهر تموز الماضي من أحد القضاة، وهو عضو في مجلس القضاء الاعلى، رسالة نصية تحمل عنوان: “ السياسيون للقضاة: إرتشوا أو إنحنوا أو إرحلوا ! ”
فذكرني ذلك بما سمعته من قاض كبير تولى رئاسة مجلس القضاء الاعلى من ان السياسيين يرون في القضاة “ عدة شغل ” لهم.
وفي 26 كانون الاول 2017 صرّح رئيس الجمهورية بشأن مرسوم الضباط المختلف عليه: “إذا كان من اعتراض لأحد على ذلك فليتفضل الى القضاء وسأكون مسروراً كرئيس للجمهورية إذا كسر القضاء قراري، هل تريدون مثولاً امام القانون أكثر من ذلك ؟ ”
فصرّح رئيس مجلس النواب رداً على سؤال: هل تقبل بالذهاب الى القضاء ؟ بالقول: “ عندما تصبح العدلية غير منتمية أذهب. الضعيف يذهب الى القضاء ”.
إذن نحن أمام:
رئيس للجمهورية: يقول من لا يعجبه قراري فليراجع القضاء.
ورئيس لمجلس النواب: يدعو الناس الى استيفاء حقوقهم بأيديهم لأن من كان منهم غير قادر على ذلك فهو ضعيف وإذا لجأ للقضاء فإن حقه معرض للضياع.
وقاض عضو في مجلس القضاء الاعلى: يُخبر ان السياسيين يطلبون من القاضي ان يخضع او يرحل ولا بأس اذا إرتشى لأن ذلك يحمل على الخضوع.
وأحد رؤساء مجلس القضاء الاعلى السابقين: يرى أن السياسيين يرون في القضاة “عدة شغل” لهم.
فهل ان ذهاب الناس الى القضاء بواسطة المحامين، بكل ما يتكبدونه من كلفة عالية في الرسوم والنفقات، فضلاً عن بدلات الاتعاب، هو بلا جدوى ؟ حتى انه قد لا ينفع ولو كان المتقاضي مدعوماً من بعض السياسيين لان رئيس مجلس النواب، وهو محام قديم ووزير سابق للعدل، اعلن عن ارتيابه في حياد القضاة وعن عزوفه عن اللجوء اليهم. فهو، ورفضاً لدعوة رئيس الجمهورية الذهاب الى القضاء، مصمم على ان يخلص حقه بيده، بموجب صلاحياته الدستورية.
هل يعرف رئيس الجمهورية انه عندما طالب واحد من افضل القضاة في لبنان، وهو الرئيس جواد عسيران، بحقه بواسطة القضاء إستغرق الامر اثنتين وثلاثين عاماً الى حين صدور حكم نهائي لصالحه ؟
فلماذا، إذن، القضاء ولماذا مهنة المحاماة ؟
أهي مهنة الضعفاء ؟
وهل ان على المحامي، ليتمكن من الاستمرار في ممارسة مهنته، ان يخضع ويساهم في إخضاع موكليه الضعفاء في جوّ من طقوس المحاكمات التي قد لا تفيدهم شيئاً ؟
وكيف يعقل أن يقبل المحامون أن يمارسوا مهنتهم في بيئة لا تطبق القانون ولا تحترمه، فيصبحون بمثابة الاعمى الذي يقود اعمى.
نسمع بين الحين والآخر عن بلاد تحصل فيها احتجاجات او حتى ثورات يقودها، أو يساهم في قيادتها، رجال القانون، سواء منهم المحامون او القضاة او اساتذة الجامعات، فهل يمكن ان يحدث ذلك في لبنان ؟
وهل يمكن تصوّر ان يخلع المحامون والقضاة اثوابهم ويعتكفوا في منازلهم أو مكاتبهم حتى تمام العودة الصحيحة الى حكم القانون بشراكة حقيقية بين قضاة ومحامين لا يجمعهم شئ سوى المعرفة والنزاهة والتمسك بأحكام القانون ؟
الضعيف وحده يذهب الى القضاء ؟ لكن الضعفاء، عندما يتكتلون، يصبحون أقوياء ويشعلون الثورات ويخلعون الحكام. والسؤال ليس “هل” بل “متى” تنشب الثورة في لبنان !
وهل منا من يتذكر قصيدة اليازجي الشهيرة التي جاء في مطلعها:
...“ تنبهوا واستفيقوا
فقد طمى الخطبُ حتى غاصت الرّكبُ ؟
بكل مودة .
المحامي محمد مغربي