النبذة الثانية – القانون الواجب التطبيق (تنازع القوانين)
ان تحديد القانون الواجب التطبيق مرتبط بقواعد الاختصاص وذلك من زاوية بحث مدى اعتبار القضاء اللبناني مختصا ً لفصل منازعة متعلقة بعمل أو عقد تجاري حاصل بالوسيلة الالكترونية عبر الانترنت.
قبل التطرق الى هذه المسألة، لا بد من الاشارة الى أنه في مجال المعلومات والبيانات الموضوعة على الانترنت يبرز احتمالين اثنين: الأول تطبيق قانون الدولة التي جرى على أراضيها وضع المعلومات أو البيانات على شبكة الانترنت، والثاني تطبيق قانون الدول التي جرى على أراضيها تلقي المعلومات المذكورة (18).
كما وتجدر الاشارة كذلك الى ان العقد يعتبر دوليا ً اذا تضمن عنصرا ً أجنبيا ً سواء تعلق هذا العنصر بأطرافه أو بمحل ابرامه أو بمكان تنفيذه.
وتنشأ في هذه الحالة مشكلة تحديد القانون الواجب التطبيق (تنازع القوانين) في حالة التعاقد بالوسيلة الالكترونية عبر الانترنت.
1- أن شكل الأعمال القانونية يسوده قانون مكان اجرائها (19). كما يجوز تطبيق القانون الشخصي متى كان المتعاقدون من جنسيه واحدة ونظموا العمل التجاري وفق هذا القانون (20).
اذن، ان العقد التجاري الدولي يكون صحيحا ً اذا ً كان موافقا ً لأحد قانوني مكان انشائه أو دولة المتعاقدين. ان هذا المبدأ يحتمل بعض الاستثناءات التي لا مجال لبحثها في هذه الدراسة، أهمها الأعمال المتعلقة بالأموال العينية اذ يصار الى تطبيق قانون مكان تلك الأموال.
2- في ما يتعلق بأساس العقد، يعود للمتعاقدين اخضاع علاقتهما القانونية للقانون الذي يختارونه بالاتفاق في ما بينهم وبالتالي، يجوز للفرقاء اخضاع العقد التجاري الحاصل بالوسيلة الالكترونية عبر الانترنت اما الى القانون اللبناني أو أي قانون أجنبي آخر (21). وفي هذه الحالة، يعتد بالارادة كضابط اسناد بالنسبة للعقود الدولية. وبالتالي، يمكن الاتفاق على اخضاع العلاقة المتعلقة بعقد أو عمل تجاري دولي حاصل بالوسيلة الالكترونية عبر الانترنت سواء لدولة ابرام العقد أو دولة تنفيذه مثلا ً.
في حال اختيار الفرقاء القانون الواجب التطبيق يصبح هذا القانون بندا ً من بنود العقد، ويصبح له قوة الالزام في الحدود التي رسمتها تلك الارادة، ويتجلى هذا الاختيار، اما بادراج هذا القانون في العقد، واما بالاحالة اليه في العقد ذاته (22). ويمكن ان يكون الاختيار أما صريحا ً واما ناتجا ً عن نصوص العقد أو ظروف التعاقد.
ان هذا الحل يتوافق مع مبادىء وقواعد وخصائص القانون التجاري الدولي وهو يتوافق حتما ً مع مبادىء وقواعد التجارة الالكترونية.
3- اعتبر البعض انه لا يجوة أن يترك لارادة الفرقاء أمر اختيار القانون الواجب التطبيق وان دور الارادة يكمن فقط في تركيز العلاقة التعاقدية (23) ويقتصر دور الارادة اذن على تحديد مركز الثقل في العلاقة التعاقدية والتي تخضع على هذا النحو لقانون هذا المركز. وعليه يجب أن يتحدد في كل قضية على حدة العنصر الأكثر اتصالا ً بالعقد فيكون مركزا ً له (24).
يعود للقضاء الاستناد الى مركز الثقل في العلاقة التعاقدية أو على العنصر أو العناصر الأساسية فيها، كما يعود له تطبيق قانون مخالف لقانون الارادة ويكون له ذلك على الخصوص في حالة وجود تحايل أو غش من قبل الفرقاء لتجنب الأحكام الآمرة في القوانين المرتبطة بالعقد (25).
كذلك الأمر عند سكوت الفرقاء عن تعيين القانون الواجب التطبيق، يعود للقضاء تطبيق القانون المتعلق بمركز الثقل الحقيقي والفعلي للعلاقة التعاقدية أي القانون الذي يكون له صلة أكيدة ووثيقة وجدية بالعلاقة التعاقدية.
وتجدر الاشارة هنا الى أنه في التجارة الدولية، أن العقود النموذجية والقواعد الموحدة والعادات والأعراف لا يمكن تطبيقها الا اذا قبل بها النظام القانوني لقاضي النزاع أو كرسها بصورة غير مباشرة من خلال الاسناد اليها بقاعدة نزاع وطنية تعينها كقاعدة واجبة التطبيق على النزاع.
ونعتقد مع الفقهاء في هذا المجال ان القانون اللبناني ترك المجال واسعا ً لتطبيق الأعراف في المجال التجاري عامة وذلك استنادا ً الى نصوص واضحة تجيز للقاضي الاعتداد وتطبيق الأعراف السائدة لحل المنازعة المفروضة عليه (27).
4- لتحديد القانون الواجب التطبيق هناك مؤشرات وأدلة وعناصر يمكن أن تستند اليها المحاكم كمكان ابرام العقد ومكان التنفيذ الرئيسي للعقد وموضوع العقد وعملة الدفع وغيرها. فاذا كان موضوع التعاقد مؤسسة تجارية يكون الاتجاه الى اعتبار قانون موقع المؤسسة مركز العلاقة (28).
وتجدر الاشارة الى الأمور التالية:
- يعتد بمركز العمل الرئيسي للملتزم بالموجب في حال كان الموجب متحركا ً ويعتد بمكان تسليم البضاعة أو بالمكان الذي يمارس الممثل التجاري نشاطه التجاري (29).
- يعتد بجنسية الفرقاء بخاصة اذا كان قانون الجنسية المشتركة كمكان ابرام العقد (30)
- يعتد بقانون المحل الرئيسي للتنفيذ في حال تعدد اماكن التنفيذ. وفي حال بيع المنقول تميل المحاكم الى تطبيق مكان تسليمها لا دفع الثمن (31).
5- يمكن للفرقاء اخضاع العقد لقضاء دولة معينة أي تحديد المرجع القضائي المختص لفصل أية منازعة ناشئة عن العقد. ما يفيد اتجاه الارادة الى اختيار قانون هذه المحكام لتطبيقه على العقد (32). ولكن لصحة بنود الاختصاص المذكورة يجب الا يكون منصوصا ً عليه في مادة يكون فيها الاختصاص الزاميا ً.
6- لا شيء يحول دون اتفاق الفرقاء على تجزئة العقد، فيخضعون بعض أجزائه الى قانون معين، والاجزاء الأخرى الى قانون آخر، شرط أن تسمح العلاقة التعاقدية بذلك، وألا يكون هناك تحايل على القانون أو التهرب من تطبيق أحكام آمرة أو ذات طابع بوليسي، كما لا شيء يحول دون تعديل بنود الاتفاق بارادة الفرقاء ومن بينها البنود المتعلقة بمركز العقد أو مركز الثقل فيه، شرط الا يكون هناك تحايل على القانون أو تهربا ً من القواعد الآمرة.
7- اذا ما انعقد اختصاص المحاكم اللبنانية لفصل منازعة ذات طابع دولي، يصار الى تطبيق الأحكام والمبادىء العامة المنصوص عنها في المادتين 100 و 101 من قانون أصول المحاكمات المدنية (23).
هكذا نكون قد انتهينا بايجاز بحث مسألة القواعد المتعلقة بالاختصاص، ننتقل في هذه المرحلة الى بحث القواعد المتعلقة بالاثبات.
الفصل الثاني: القواعد المتعلقة بالاثبات
أن تزايد عدد العمليات والعقود التجارية المبرمة بالوسيلة الالكترونية عبر الانترنت تحمل على بحث القواعد المتعلقة بالاثبات. بالفعل، أن مسألة الاثبات تطرح اشكاليات متعددة أهمها ما يتعلق بوسائل الاثبات المقبولة للعمليات والعقود المبرمة بالوسيلة الالكترونية عبر الانترنت وكيفية اثبات حصول هكذا تعاقد، والقوة الثبوتية للكتابة الالكترونية، وقيمة التوقيع الالكتروني في الاثبات.
لا يوجد في قانون التجارة اللبناني أية أحكام تتعلق بالعقود والأعمال المبرمة بالوسيلة الالكترونية أو المتعلقة بالتجارة الالكترونية واثباتها، على عكس الوضع في فرنسا حيث صدرت قوانين ومراسم وقرارات متعلقة بالتوقيع الالكتروني (34).
سوف نتطرق بصورة مقتضبة في البدء الى مبادىء الاثبات المعتمدة حاليا ً في القانون اللبناني ومدى ملاءمتها وانطباقها مع واقع وتطور العقود ة و الأعمال التجارية المبرمة بالوسيلة الالكترونية ومن ثم ننتقل الى بحث مسألة التوقيع الالكتروني وقوته الثبوتية.
النبذة الأولى: مبادىء الاثبات المعتمدة في القانون اللبناني ومدى انطباقها مع الأعمال والعقود المبرمة عبر الانترنت
لقد نصت المادة 254 من قانون التجارة على انه ليس اثبات العقود التجارية خاضعا ً مبدئيا ً للقواعد الحصرية الموضوعة للعقود، فيجوز، مع الاحتفاظ بالاستثناءات الناتجة عن الاحكام القانونية الخاصة، اثبات العقود المشار اليها بجميع طرق الاثبات التي يرى القاضي وجوب قبولها بحسب العرف والظرف.
وبحسب المادة 255 من القانون ذاته في الوضع التجاري يجوز اثبات تاريخ المخطوطات الخاصة بالنظر الى الغير بجميع وسائل الاثبات.
وبحسب المادة 257 من قانون اصول المحاكمات المدنية يجوز الاثبات بشهادة الشهود مهما كانت قيمة المدعى به في المواد التجارية والاعمال المادية.
من الثابت اذن، ان اثبات الالتزامات والتصرفات التجارية هو حر طليق من اي قيد مهما كانت قيمتها، ويجوز بالتالي اثباتها بجميع وسائل الاثبات الخطي والبينة الشخصية والقرائن وغيرها من وسائل الاثبات (35).
ان هذا المبدأ يطبق في الأعمال المختلطة على اثبات الاعمال والتصرفات التجارية بوجه الشخص الذي يكون العمل بالنسبة اليه تجاريا ً وبوجه التاجر الذي يقوم بالعمل لحاجات تجارته.
أن تكريس مبدأ الاثبات الحر في المعاملات والتصرفات التجارية يطبق على الأعمال الجارية بالوسيلة الالكترونية عبر الانترنت. وهو يتوافق تماما ً مع خصائص القانون التجاري من جهة، وخصوصية التجارة الالكترونية من جهة أخرى.
واذا كان في الأصل ان اثبات العقود والأعمال والتصرفات لا يتعلق بالانتظام العام، فيجوز للفرقاء الاتفاق على مخالفته واشتراط الاثبات الخطي، فضلا ً عن أن أمر تقدير وسيلة الاثبات وجدواها متروك لتقدير المحكمة التي تتولى فصل المنازعة المعروضة عليها، بحيث يعود لها اهمال أية وسيلة لا تجدها مفيدة أو منتجة ولحل النزاع.
ان السند الخطي - سواء الرسمي أم ذي التوقيع الخاص - المتوافرة شروط تنظيمه الشكلية وبخاصة توقيع من صدر عنه او توقيع الفرقاء وتوقيع الكاتب العدل بالنسبة للاسناد الرسمية من جهة، وتعدد النسخ على قدر عدد الفرقاء المتعاقدين من جهة أخرى، يشكل أهم وسيلة اثبات على الاطلاق.
لم يتضمن القانون اللبناني أية نصوص خاصة تتعلق بوسائل الاثبات الالكتروني. وتجدر الاشارة هنا، الى أن قانون أصول المحاكمات اللبناني نص في الفصل المتعلق بالاثبات بالكتابة على احكام تتعلق بالسند الرسمي والسند العادي والأوراق الاخرى، وبخاصة الرسائل والبرقيات والدفاتر التجارية.
أما القانون الفرنسي فقد عرف منذ العام 2000 تطورا ً هاما ً في هذا المجال (36). بالفعل، لقد نصت المادة 1316-1 من القانون المدني الفرنسي على انه يقبل المخطوط بالشكل الالكتروني في الاثبات كالمخطوط على ركيزة ورقية شرط ان يكون بالامكان التحقق من هوية الشخص الصادر عنه وفقا ً للأصول وان يوضع وتتم المحافظة عليه وفق شروط من شأنها ان تضمن سلامته (37).
كذلك كرست الفقرة الثانية من المادة 1317 من القانون ذاته امكانية تنظيم السند الرسمي على ركيزة الكترونية اذا نظم وحفظ وفق شروط محددة بموجب مرسوم.....
اذن، لقد اعترف القانون الفرنسي بالسند الالكتروني واعتبر ان للمخطوط على ركيزة الكترونية القوة الثبوتية ذاتها العائدة للمخطوط على ركيزة ورقية (38).
في هذه المرحلة تثار مسألة قبول السند الالكتروني (35) كوسيلة للاثبات امام المحاكم في ضوء النصوص الواردة في قانون التجارة من جهة وفي قانون اصول المحاكمات المدنية المذكورة أعلاه من جهة ثانية.
نعتقد بامكانية قبول السند الالكتروني كوسيلة من وسائل الاثبات، وذلك تطبيقا ً لمبدأ الاثبات الحر في المواد والقضايا التجارية، فضلا ً عن عدم وجود أي نص يمنع قبولها، لا بل ان المادة 254 من قانون التجارة اللبناني (40) تجيز للقاضي أن يختار وسيلة الاثبات الفضلى، ويمكنه الاستناد في ذلك علي العرف والظرف. ولكن اذا كان بامكان القاضي قبول هذه الوسيلة الا ان قبولها يبقى مشروطا ً باحتواء المستند على ما يفيد عن هوية الشخص أو الأشخاص (الفرقاء) الصادرة عنه أو عنهم بوضوح، وتوقيعه عمن صدر عنه، مع امكانية تطبيق القواعد المتعلقة ببدء البيئة الخطية المنصوص عنها في قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني كما هي حال عدم احترام قاعدة تعدد النسخ (41). من هنا نعتقد بانه بامكان المحكمة المعروض عليها نزاع ذات طبيعة تجارية أن تأخذ بالبريد الالكتروني كوسيلة اثبات منتجة، كما بامكانها الاخذ بالنموذج المعروض على الانترنت والذي جرت تعبئة بياناته من قبل المتعاقد (المشتري)، أو بواقعة دفع الثمن بالوسيلة الالكترونية وغيرها من وسائل الاثبات المجدية والمنتجة لحل النزاع.
تجدر الاشارة هنا الى أنه في ما يتعلق بالسند الخطي نكون أمام مادة ملموسة وهي الورقة (42)، أما السند الالكتروني فهو يتجرد عن المادة (43) ونكون أمام تعامل واقع افتراضيين (44).
بعبارة أخرى، أن مفهوم الكتابة كما هو متعارف عليه بالنسبة للسند المادي أي الورقة، لا يأتلف مع متطلبات الأعمال والتصرفات والعقود الجارية بالوسيلة الالكترونية عبر الانترنت. فالسند الالكتروني يختلف بمفهومه عن السند المادي (الورقة الملموسة) المعتمد كلاسيكيا ً لابرام العقود والأعمال ذات الطابع التجاري. ان السند الالكتروني هو غير مادي (45) وهذا ما يؤثر حتما ً على وسيلة اثباته.
فالشخص الذي يريد شراء سلعة أو بضاعة أو يعقد صفقة مع شخص آخر بصورة الكترونية عبر الانترنت، يطلع على العقد الموضوع على الموقع الالكتروني من خلال الحاسوب مثلا ً دون أي سند ورقي كلاسيكي مرسل اليه، مع الاشارة الى أنه في بعض الاحيان بامكانه تحميل نسخة عن العقد في الحاسوب (أو أية وسيلة الكترونية أخرى متوافرة لديه) وطبعه بهدف قراءته وتمحيصه قبل الموافقة عليه.
تبقى الاشكالية الهامة المتعلقة بادراج التوقيع على العقد (السند) الالكتروني العادي أو الرسمي بين فرقاء متواجدين في دول مختلفة. فاذا عرض تاجر موادا ً أو بضاعة على موقعه الالكتروني وأبدى تاجر لبناني رغبته بالشراء، لا يمكن الزام اي طرف على الانتقال لملاقاة الفريق الاخر وتوقيع العقد، فضلا عن انه لا يمكن الزام اي طرف على الانتقال لتوقيع السند الرسمي مع الفرقاء لمخالفة قواعد الاختصاص. هذا ما حمل المشترع الفرنسي على تنظيم أحكام تتعلق بالتوقيع الالكتروني وهذا ما سوف نفصله في النبذة الثانية.
النبذة الثانية - التوقيع الالكتروني وحماية البيانات
لم يتضمن قانون التجارة اللبناني اية أحكام تتعلق بالتوقيع الالكتروني على غرار القانون الفرنسي الذي شهد تطورا ً كبيرا ً في هذا المجال شأنه شأن الدول المتطورة كافة.
وتجدر الاشاترة الى أن المادة 21 المضافة على القرار المتعلق بالعمليات المالية والمصرفية بالوسائل الالكترونية الصادر عن حاكنم مصرف لبنان بالقرار رقم 7548 تاريخ 30/3/2000 وذلك بموجب القرار الوسيط رقم 11445 تاريخ 6/6/2013 نصت على انه علاوة على المبادىء العامة الواردة في المادة 20 من هذا القرار يقتضي التقيد بما يأتي:
3- عدم قبول التوقيع الالكتروني الا لقاء توافر الشروط التالية مجتمعة:
- اتفاق صريح بين المعنيين
- استعمال الموقع لرمز تعريف شخصي.
- تأكيد من المؤسسة المنفذة، يرسل بالبريد الالكتروني خلال مهلة 24 ساعة من تنفيذ العملية ويتبع بالبريد العادي ضمن مهلة أسبوع الا اذا طلب المعني من المؤسسة الاحتفاظ بالبريد لديها. - قيام المؤسسة المنفذة بابلاغ العميل بوضيعة شهرية مفصلة ترسل على عنوان مختار مسبقا ً منه.
صحيح أن هذه الشروط لقبول التوقيع الالكتروني واردة في مجال العمليات المصرفية الا أنه يمكن الاستنباط منها وتكييفها وتطويرها لجعلها ملائمة للعمليات والعقود الجارية بالوسائل الالكترونية بواسطة الانترنت.
سوف نتطرق الى ذلك بعد بحث القانون الفرنسي المتطور في هذا المجال.
في ما يتعلق بالقانون الفرنسي، لقد نصت الفقرة الثانية من المادة 1316- 4 من القانون المدني الفرنسي على أنه عندما يكون التوقيع الكترونيا يتكون من استعمال وسيلة موثوقة لأثبات الشخصية ويضمن الرابط بالسند المتعلق به. ويكون الوثوق بهذه الوسيلة مفترضا ً الى حين اثبات العكس، عندما يكون التوقيع الالكتروني منشأ واثبات شخصية الموقع مؤمنة وتكامل السند مضمونا ً وفقا ً لشروط التي يحددها مرسوم... (46)
وقد عرفت المادة الآولى من المرسوم رقم 272-2001 بتاريخ 30/3/2001 التوقيع الالكتروني بأنها معطيات ناتجة عن استعمال وسيلة تستوفي الشروط المحددة في الجملة الاولى من الفقرة الثانمية من المادة 1316-4 قانون مدني (47).
اذن، لقد تضمن القانون المدني الفرنسي احكاما ً خاصة تتعلق بالتوقيع الالكتروني ووضع اطارا ً دقيقا ً لصحته ولحمايته سواء على المستوى القانوني أم التقني (الالكتروني).
يستعمل التوقيع الالكتروني من قبل الممتهنين أو الأفراد على السواء ويتم استعماله من قبل الشركات التجارية أم التجار الافراد وهو يستعمل على سبيل المثال بالاعمال التجارية والعقود والتحويلات والعمليات المصرفية والبريد الالكتروني والتصريح الضريبي وغيرها.
ومن المفيد القول أن بحث مسألة التوقيع الالكتروني تفرض وجود سند الكتروني متوافر على الانترنت ومن البديهي القول بامكانية توقيع السند من قبل الفرقاء، والكتابة الالكترونية تتخذ اشكالا ً مختلفة بريد الالكتروني أو عقد وارد على الانترنت وغيرها. فالتوقيع الالكتروني هو التوقيع الوارد على عقد أو مستند الكتروني.
لقد اعتبر القانون الفرنسي انه لكي يعتبر التوقيع الالكتروني بحكم التوقيع الكتابي لا بد من توافر بعض الشروط منها ما يتعلق بهوية الشخص الصادر عنه التوقيع اذ يجب ان يستدل منه بصورة لا التباس فيها على هوية الشخص الصادر عنه، فضلا ً عن انشائه بوسائل تمكن الموقع من الاحتفاظ بها تحت رقابته وتامين رابطة مع السند الموضوع عليه بحيث يمكن معرفة وتبيان أي تعديل يطرأ على السند بصورة لاحقة على التوقيع (48).
كما يتوجب ان يكون التوقيع منشأ من قبل مقدم خدمات متخصص ومعترف به لاعطاء وتسليم الشهادات الالكترونية وان تحاط العملية بآلية متقدمة تضمن حرية هوية الموقع والتوقيع بحد ذاته.
من المهم في هذا المجال اثبات ان التوقيع يتعلق بالعقد أو العمل موضوع المنازعة من جهة، وانه صادر عن المتعاقد سواء بالذات ام بالوكالة عنه من جهة اخرى.
في مطلق الاحوال، من الثابت انه يعود للقاضي تقدير جدية وسيلة الاثبات المعروضة عليه وتحديد القوة الثبوتية العائدة للمستندات والتوقيع الالكتروني الممهور عليها.
أما في لبنان، فالسؤال الذي يطرح يتعلق بمدى امكانية القبول بالتوقيع الالكتروني كوسيلة للاثبات في القضايا التجارية. نعتقد ان المستند الذي يحمل توقيعا ً الكترونيا يعتبر بمثابة السند العادي ويأخذ احكام هذا السند ما لم ينكر التوقيع الشخص اللذي يتذرع بمواجهته بالسند، عندها يعتبر السند بمثابة بدء بينة خطية ويصار الى تطبيق القواعد المتعلقة بها، فضلا ً عن امكانية ابراز أية وسيلة اثبات اخرى يقبلها القاضي تضاف اليها وتكملها.
فضلا ًعن ذلك نعتقد بأنه لقبول التوقيع الالكتروني في لبنان لا بد من توافر شروط أساسية لازمة لصحته منها الاستدلال بصورة لا التباس فيها على هوية الشخص الصادر عنه التوقيع، وان يكون متعلقا ً بالسند ذاته الواقع عليه، وان يكون منشأ بوسائل تمكن من صدر عنه التوقيع معرفة اي تعديل أو تحريف أو تغير يطرأ بعد التوقيع عليه، والا يصار الى الطعن بالتوقيع أو انكاره من قبل المتعاقد المدلى بوجهه بالسند الالكتروني كوسيلة للاثبات.
هكذا نكون قد أنهينا القسم الأول من هذه الدراسة لننتقل الى القسم الثاني المتعلق بالمؤسسة التجارية الالكترونية ونظامها القانوني.